البعد الخامس

البعد الخامس..

كلنا نعرف ، أو على قدر من المعرفة بالأبعاد الثلاثة ( اكس - واي - زد ) وهي الأبعاد التي تمكننا من رؤية الأجسام بشكل ثلاثي الأبعاد ، وكذلك تحديد مواقعها في الفراغ.
وأُضيف إلى هذه الأبعاد الثلاث بُعد رابع هو بُعد ( الزمن ) ، والذي يؤثر بدوره على هذه الأبعاد كل على حده ، فيمكن القول أن جسم ما تحرك لمسافة ما في بعد ما في زمن ما ، والزمن هو البعد الذي يحدث التغيير المادي والجوهري في هذه الأجسام ، سواء بالتقادم أو بالحركة.

ولعلنا نلاحظ الفضل الذي يرجع للعالم أينيشتاين ، الذي اثر بدوره بعد نظريته ( النسبية ) التي ألقت بظلالها على كل المفاهيم الحياتية ، المادية منها والمعنوية ، حتى أن النظريات الفلسفية تأثرت وتغيرت مفاهيمها تماما بظهور هذه النظرية ، التي تؤكد أنه لايوجد جسم ثابت ثبوت مطلق ، فنحن نرى اي شيء ثابت ليس لكونه ثابت ، ولكن يمكننا القول بأنه يتحرك بسرعه أكبر من سرعتنا ، أو أننا نتحرك بسرعه اقل من سرعته ، ونراه (نسبيا) ثابتا لأنه يتحرك بنفس سرعتنا أو أننا نتحرك بنفس سرعته ، فكل مكونات الكون في حركة دائمة ، ولا يوجد ثبات مطلق لأي منها ، ولعلنا نلاحظ هذا جلياً في بعض التعبيرات الدارجة بيننا مثل : ( هذه مسأله نسبية ، أو الرأي في القضية الفلانية رأي نسبي .... وهكذا ).

نخلص مما سبق أننا نتعامل في عالمنا من خلال أربع ابعاد ، وهم البعد اكس والبعد واي والبعد زد والبعد الرابع وهو الزمن.

تعالوا نتخيل مثلا أنه في عالمٍ آخر هناك مخلوقات اشكالها عبارة عن متوزايات مستطيلات أو مكعبات ، وأن عيون هذه المخلوقات تقع على السطح الأعلى منها ، بالتالي فهي لن تستطيع أن تتعامل إلا من خلال بعدين فقط وهما البعدين اكس و واي ، أو لو كانت هذه المخلوقات دائرية وأن عيونها تقع في مركز هذه الدائرة، فمن المنطقي أنها لن تستطيع التعامل إلا من خلال بُعد واحد فقط وهو البُعد اكس ، أو البُعد واي ، ولن ترقى ابدا إلى البعد الثالث (زد) الذي يتيح لها رؤية العُمق أو ارتفاع الأجسام.

ولعل من يُمعن النظر منا يرى أن المولى عز وجل قد من علينا بنعمة أن خلق أعيننا في شكل كروي حتى نتمكن من رؤية الأجسام بشكل واضح ثلاثي الأبعاد.

ماذا إذن عن البُعد الخامس؟...
كل من الأبعاد الاربعة الحقيقية السابق ذكرها ، يؤثر ويتأثر بالأبعاد الباقية ، ولا غنىً لنا عن أي منهم ، وإلا سوف تستحيل الحياة في عالمنا.
فمن خلال رؤيتي الخاصة استطيع أن اقول أن هذا البعد الأخير ( الخامس) هو الانترنت ، وبصفة خاصة برامج المحادثة ( الشات ) ، لكن عجبا لهذا البُعد حقاً ، إنه لا يؤثر ولا يتأثر بالأبعاد الأربعة السابقة ، اللهم إن كان يتاثر ببُعد الزمن فقط ، لكنه لا يؤثر على ابعاد المكان ( اكس- واي - زد ) بل إن هذه الأبعاد الثلاث أصلا ليست من محدداته وليس هو من محدداتها.

وإذا كانت هذه الأبعاد الأربعة الحقيقية ، هي الفيصل لدينا بين الشك واليقين ، وهي مقياس الخطأ والصواب ، فكيف يكون مقياس الصواب والخطأ في عالمٍ أو في بُعد آخر لا يخضع لهذه المقاييس أو هذه الأبعاد؟ وكيف تكون التفرقة بين الشك واليقين في هذا العالم الجديد؟

خلاصة القول:
أن هذا العالم الجديد أو البعد الخامس ( الشات ) هو عالم معطياته افتراضية بكل تفاصيلها ، حتى أن كل شخص منا يتخذ منه موقعا افتراضيا ليبث منه فكر افتراضي أو حالة افتراضية.
ولعلّي دون أن أدري قد أجبت على تساؤلات مثل : لماذا الكذب على الانترنت؟ .. لماذا الإدعاء على الشات دائما؟؟ .. لماذا كل علاقات الانترنت غير جادة؟.. لعل الإجابة أصبحت جلية وواضحة الآن ، وهي أن هذا العالم لا يخضع لأبعاد الواقع ، ولكنه يستمد بقائه من الواقع ، أي أنه هناك خيط رفيع بينه وبين عالم الواقع ، هذا الخيط هو الزمن ونحن.

ولكي أبسّط الأمر .. هل يُمكن أن نخلط بين الحلم والواقع؟ هل يمكن أن نبني ردود افعال تجاه الآخرين بناءاً على ما رأيناه من افعالهم في أحلامنا؟
كذلك لا يُمكن خلط البعد الخامس بالأبعاد الأربعة الحقيقية ، لا يصح ، بل وإنه من السفه أن نخلط بين معطيات عالم افتراضي وعالم منطقي ، عالم كل معطياته افتراضية لا تخضع لنظرية الشك واليقين ، وعالم آخر فيه الشك بيّن واليقين بيّن ،مثل الزواج من على الانترنت ، أو إقامة علاقة تنشد الزواج في النهاية على الانترنت.
ولكي أمد خيطا رفيعا ، وألقي سنا ضوء الأمل لكم ، اقول لكم:
بأيدينا أن ننقل هذا العالم إلى عالمنا ، عالمنا خلقه الله ، فيه الحق بيّن وفيه الباطل بيّن ، وعالم الانترنت ( الشات ) من صنعنا نحن ، فيه كل الأمور مشتبهات ، سماؤه بيضاء لا ليل فيها ولانهار ، رياحه صامته لا روح فيها ، جباله واهية لا تستطيع الصعود إلى قممها من وهنها ، ولا تستطيع حتى الانتظار في اسافل سفوحها... فأن تكون ذيلاً لأسد ، خيراً من أن تكون رأساً لكلب.

وسام عمران